…الأطفال المولودين نتيجة للحرب

العراق ليس وحيداً

للصراعات تأثيرات مدمّرة على المدنيين، ومن ضمن ذلك زيادة تعرض النساء والفتيات للعنف الجنسي. يعاني العراق، كسائر دول العالم، من نتائج تفشي النزاعات المسلحة، والفشل في توفير الاستجابة الملائمة لاحتياجات الناجيات

أستُخدم الإغتصاب والأنواع الأخرى من العنف الجنسي منذ زمنٍ بعيدٍ كسلاح خلال الحروب. شرّعت الأمم المتحدة القوانين ضد هذه الظاهرة أول مرة في أكتوبر من العام (٢٠٠٠) بقرار مجلس الأمن في الأمم المتحدة المرقم (١٣٢٥) والذي أقرّت بالتأثير الفريد وغير المتناسب للصراعات على النساء والفتيات. عندها اعدّت الأمم المتحدة القرار رقم (١٨٢٠) والذي يعد العنف الجنسي كجريمة حرب، حيث يقول (يعتبر الإغتصاب والأشكال الأخرى من العنف الجنسي جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية أو جرائم تتعلق بالإبادة العرقية)

تم إختطاف الآلاف من النساء والفتيات من قبل داعش وتعرضوا إلى الإغتصاب والزواج القسري، وغالباً ما ولدوا أطفالاً نتيجةً لذلك، حيث تعرضت النساء والفتيات من الأقليات الإجتماعية إلى أكثر تأثير. نحن نعمل في مؤسسة سِيد مع الناجين لتأمين خدمات دعم الصحة النفسية والدعم النفسي الإجتماعي حيث يندمجون مع مجتمعاتهم ويحاولون التعافي من الأحداث الصادمة التي عانوا منها. تواجه النساء وأطفالهن العديد من التحديات عند عودتهن من قبل مجتمعاتهن وكذلك من قبل النظام القانوني في العراق

تحدثت مؤسسة سِيد مع ثلاثة خبراء حول منظورهم وخبرتهم في البلدان الأخرى التي تتعافى من الحروب، وكيف استطاعوا إزالة هذه العقبات و وصلوا إلى مرحلة القبول

غالباً ما يولد الأطفال كنتيجة للإغتصاب والعلاقات المفروضة بين النساء وآسريهن. يمكن أن يُصبح هؤلاء الأطفال وأمهاتهم ضحايا للتحرش الإجتماعي و وصمات العار، وغالباً ما يُنبذون من قبل مجتمعاتهم – يحرمون من القبول والدعم المعنوي الذي يحتاجون إليه للتعافي. المشاكل القانونية التي تتعلق بالجنسية وحقوق الأبوّة والهوية الدينية تعقّد المشكلة أكثر، وبالأخص في المجتمعات المحافظة مثل المجتمع العراقي

تؤكد سلوى غليسة من منظمة (تفعيل الحق في الاختلاف) التونسية على أهمية القوانين التي تعزز من قبول النساء وأطفالهن في مجتمعاتهن. تقول بأنّ قرارات مجلس الأمن في الأمم المتحدة كانت مساعِدة لأنّها جرّمت الإغتصاب في الحروب، والذي يمكن أن يساعد بدوره على إزالة قسم من وصمة العار على الناجيات ونقله إلى مرتكبي الجرائم

بالنسبة للنساء اللواتي ولدن أطفالاً بعد الإغتصاب في الحرب، تعتبر وصمة العار لهن ولأطفالهن موضوعاً متكرراً بين الثقافات؛ على الرغم من أن تلك النسوة وأطفالهن نجوا من أحداث عنف رهيبة ولكن مجتمعاتهم توصمهم بالعار لأسباب دينية وثقافية مثل ربط شرف المرأة بـ (عفّتها)، مضيفين بذلك المزيد من العوائق أمام تقبلهم. يقول كيلب اوديامبو، المدير الأقدم للبرامج والحماية في مؤسسة سِيد، والذي عمل مع المنظمات الغير حكومية في البلدان الأفريقية قبل الإنضمام إلى مؤسسة سِيد، أنّه من غير العادل تماماً تثقيل عبء الطفل الذي لا ذنب له أو لأمه التي نجت من العنف الجنسي بوصمة العار والرفض هذا، والذي يقوم بإطالة تأثير الحرب عليهم. كنتيجة للرفض، يعاني الأطفال المتأثرون غالباً من أزمات الهوية و يفصلون عن أمهاتهم في بعض الحالات

أشارت السيدة غليسة إلى بعض النجاح في تونس، تمّت إزالة وصمة العار المرتبطة بالولادة بسبب الإغتصاب من خلال إزالة كلمة (لقيط) من القانون وتغيير طريقة تسمية الأطفال المتأثرين حتى لا يتم وصمهم بالعار اتوماتيكياً بسبب أسمائهم

التحديات الإجتماعية والمالية والدينية والقانونية المتعددة أمام تسجيل وتربية الأطفال المتأثرين لا يترك أي خيارٍ أمام الأمهات، وتحرمهن من حقوق الإنسان الأساسية. غالباً ما إشتُرط على الأمهات ترك طفلهنّ أو أطفالهنَ الذين ولدوا نتيجة للحرب من أجل تقبلهنّ في مجتمعاتهنّ، اختيارٌ مستحيل على الأغلب.

أكدت صبيحة هوسيج، مديرة منظمة (ميديكا زينيتسا) في البوسنة والهرسك، الحاجة إلى تذكّر أنّ العار و وصمة العار يقعان على مرتكبي الجرائم وليس الناجيات، وأنّ الناجيات بحاجة إلى الدعم وليس التجنّب خلال عودتهنّ إلى مجتمعاتهنْ. أكدت على أهمية الإستماع إلى النساء وشددت على وجوب احترام حقوقهن وإختيارتهن، وقالت (إذا قررن الإحتفاظ بأطفالهنّ المولودين نتيجة للعنف الجنسي والإغتصاب في الحرب، من المهم جداً أن تقرر النساء أنفسهن ذلك. نحن نعلم بأنّ الناجيات بحاجة إلى الثقة والدعم من قبل عوائلهنّ أولاً ، بالإضافة إلى الثقة والدعم من قبل مجتمعاتهن… إنهنّ بحاجة إلى الدعم النفسي والقانوني والطبي والإقتصادي). قالت بأنّ المنظمات في بوسنة شجّعت المجتمع الديني على تقبّل الناجيات وأطفالهن، مذكرين الناس بأنّ الأطفال هؤلاء هم أطفال طبيعيون لا يختلفون عن الأطفال الآخرين

كان اوديامبو توّاقاً أيضاً للتأكيد على مسألة تقبّل الأطفال قائلاً، (إذا نظرنا إلى الاطفال كالأطفال، عندها نبدأ بالنظر إليهم بعدسة الإمكانيات، ما هي الإمكانيات التي لدى هذا الطفل؟)

انّ عواقب الحروب والنزاعات والعنف الجنسي ستضلّ تؤثر على الناجيات ومجتمعاتهنّ للعقود القادمة؛ من المهم جداً أن نتكاتف كمجتمع واحد وندعم الناجيات حتى التعافي

كيف استطاعت الدول الأخرى التعافي من الحرب، قم بقراءة المزيد حول ذلك